الجمعة، 7 نوفمبر 2014

الصور الابداعية فى اشعار الشايقية


الصور الشعرية في شعر الشايقية

قصيدة أحرف ضياع كلها صور شعرية بليغة

قصيدة أحرف ضياع للشاعر الملهم محمد أحمد الحبيب ، قصيدة مشهورة ، ذاع صيتها وانتشرت مع تغني الفنان معاوية بها ، في مقطع ، أراد الشاعر أن يقول لمحبوبته : بعد أن لاقيت من صنوف العذاب من انقطاعات حبنا ، أتمنى أن ألقاك في الجنة ، حيث النعيم المقيم ، حيث لا ضعف ولا فناء ، فقال ذلك إبداعاً على طريقته :

*******************
كم كنت بي حبك سعيد وعادت عليَّ سنين دجن
زجتني في ظلمة جفاك ولبست هجرانك كفن
عهد النعيم الكان معاك قضيتوا زي أحلام وسن
كان نعمة من فضل الزمان والليلة دفعني التمن
نوب الدهور زادن علي خلتني أدمنت الحزن
وأصبحت زي شجرة عذاب مغروسة في أرض المحن
يا ريتني أخترق العهود وأعبر معاك خلف الزمن
لا تمضي من عمرك سنين لا بكرة يغشاك الوهن
جعل للجفاء "ظلام دامس"
ونسج من هجر محبوبته "كفناً" ولبسه !
شبه أيام الحب التي عاشها مع محبوبته ، مثل المنام الذي يمر يعطي الإنسان لحظات سعيدة قد لا تصل لدقيقة واحدة ! .
جعل الزمان يعطي ويمنع ، بل ويأخذ الثمن !
جعل الحزن يحمل الإنسان الحزين على إدمانه .. !!
شبه نفسه وهو على حاله هذه من الحزن ، كأنه "شجرة عذاب" غرست في "أرض المحن" وهذه شجرة تعاني ما تعاني ّ
تمنى لو أنه "يخترق العهود" وهذا مطلب نادر ، وزاد فيه كي "يعبر خلف الزمن" وهذا خيال بعيد للغاية ، ربما أنه أراد التعجيل بالجنة حيث النعيم المقيم وعدم الضعف والوهن " لا تمضي من عمرك سنين لا بكرة يغشاك الوهن " .

.......................................................................................... ........

وهو صاحب صور شعرية رائعة يصعب حصرها ، مثل :

****************************
قصيدة الصباح بيجيك .. تصوير بديع
الصباح بيجيك وتسبحي في ضياهو
ويمشي ليل الماضي مهما يطول دجاهو
الربيع يلقاك في قمّة زهاهو
وزهرو من الفرحة غالبو يلم شفاهو

***********************
أي تصوير هذا ؟ وأي إبداع هذا ؟
وفي صورة راااائعة في ذات القصيدة يصف حالة من الحنين العميق المكسي بدفقة حزن :
*********************

زي حنين الراعي لمّ تغيب قراهو !!

********************************
ولا أظنه يقصد الرعي "الداخلي" على نحو ماكنا نفعل ، إنما هو رعي خارج القرى تماماً يهاجر فيه الراعي بأغنامه ، ولاشك يكون معه حنين عارم ويعيش ساعات تتزاحم وتتداخل فيها المشاعر وهو ماظلّ يتحسسه ويتلمسه الشاعر .
وهو الذي يأتي بمثل هذه الصور المعتّقة ، ليس كمن يتسابقون في إدخال الموبايل والمسكول ونحوها في صورهم الشعرية حالياً .

مشتاق للبلد .. قصيدة من عيون الشعر العباسي

في معظم شعره ينقل لنا الحبيب صور شعرية من القرية الحالمة ، وهذه صورة يرسمها لنا "وهو نائم !" لحظة والدته تصحيه لشاي الصباح ، ربما أنه كان مساهراً في عرس أو نحو ذلك :
**********************
قوم آ العشي الشايك برد
*******************
وكأني أنظر إليها تناديه واقفة قبالة رأسه ، والبيت في قصيدته المليئة بالصور الشعرية الرائعة :
****************
شوق الغفاري الجافة لي صوت الرعد
يا عابرة مشتاق للبلد
*******************

الشاعر "العباسي" محمد أحمد الحبيب لاتنحصر صوره الشعرية الرائعة

"كناية" " مليانة " من محمّد سعيد دفع الله

هناك صورة شعرية ظللت أحتفي بها في دواخلي أو كلما تناقشت مع مهتم بهذا الأمر ، وهي صورة للشاعر "الكبير" "المتواضع" محمّد سعيد دفع الله ، في قصيدته " القول البقولوا الناس "
أراد أن يقول إنّ هذه المحبوبة عفيفة شريفة مصونة ، وأراد أن يستفيد من وصف القرآن لحسناء الحور في الجنة : " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ " صدق الله العظيم . فنقل لنا عبر صورة شعرية رائعة هذا الوصف ، وعبر كناية مليئة مكتنزة ، وذلك في قوله وهو يشبه لون حبيبته بلون ثمار النخيل وقت أن يكون أصفراً :
************************
شبيه البي تحت في أمو مال فدع الجريد
لا حام الدباس بي فوقو لا اتمدتلو إيد

*************************

هامش مليان

هناك الصورة الشعرية البليغة التي رسمها الشاعر العاقب أحمد علي موسى في قصيدته "ليمونة "
وهناك صورة شعرية بديعة رسمها الشاعر الموهوب إبراهيم أبنعوف في قصيدته "أبكن ياسحيبات "
راجع مكتبة العاقب أحمد علي هنا بالمنتدى "الشعر الشايقي"
أتمنى لو كل واحد استوقفته صور شعرية رائعة ، لنجمع هذه الصور وهذه المقاطع الرائعة ، بصورة استثنائية ، لنوثق لحالات "توهج" زائدة عند مبدعينا من الشمال .

[color="Navy"]
أخذت هذه الأسطر من مقدمة الديوان الثالث للشاعر الكبير إبراهيم أبنعوف ، وكاتب المقدمة الناقد الكبير دكتور توفيق الطيب ، ونص المقدمة بكامله في مكتبة ودأبنعوف هنا بالمنتدى ، الغرض من هذا البوست نود أن نقف بصورة استثنائية عند صور شعرية بديعة في شعر "الشوايقة" وأخشى أن نجد كل أشعارهم "بديعة" وكل أبياتها "استثنائية" ذلك لتزاحم الإبداع فيها ، يباهي بعضه بعضاً ...!!
يقول دكتور توفيق في معرض تقديمه :


وإبراهيم شاعر مطبوع ذو ثقافة واسعة وعاطفة جياشة وشعور مرهـف وحس أدبي رقيـق . استفاد كثيراً من الشعراء العرب قديماً وحديثاً ونهل من دواوينهم على اختلاف عصورهم وميولهم الأدبية ، وقد أدخل في شعره كثيراً من المعاني التي قصدوا إليها رغم اختلاف البيئة والعصر واللغة ويكفيه براعـة قولـه المشهور .


مخلوقة تراب الجنة والطيب خالطوبو جسيما
كان حاكى القمر محياها لو ما في القمر ضليمة


وهي أبهى صورة يمكن لشاعر أن يصور محبوبه بها. فالشعراء العرب كانوا يشبهون وجـه المحبوب بالقمر وأحياناً يقلبون التشبيه ليشابه القمر وجه المحبوب ولكنهم لم يصوروا لنا أبداً كيف أن وجه المحبوب صار أبهى من القمر لغشاوة سربلت وجه القمـر .

وإبراهيم شاعر باك وحـزين ، من يراه لا يكاد يصدق أن مثله يبتسم ، يبكي فيسليه هذا البكاء ويحزن فيريحه ذلك الحزن ، ومع ذلك فهو صابر يفوض أمـره للـه … يطلب من السحيبات أن تبكـي ، ومن طـيور الغروب أن تكف عن البكاء ، ثم يقول للساجعة مهما بكيت ، فأنا أبكي أكثر وهو في حزنه هذا يفرد أشرعته لا يلوي على شيء ، سائراً كيفما اتفـق آملاً أن تضمه فرحة المحزون أو أن يتلقفه ليـل الغلابة فيضمه ويطويه .

وإبراهيم بارع في الوصف والحكمة براعة لم أكد أراه مسبوقاً إليها في هذا الزمان وها هو يصف الدنيا بطولها وعرضها بأنها متاع خداع ومظهر زائف فيقول :

قدر ماتفرح تبكي وصحيـح الدنيا خداعه
تلمك لا من توالف تفرقك في أي ســاعة
تخبي أقدارا في اياما وتلف حولك بي بـراعة
وتزجك في هول عذابا وشقاها البعقب متـاعا

وهذه الأبيات الرائعة تذكرني بقول أبي الطيب المتنبي :

ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت
على عينه حتى يرى صدقها كذبا






  اللحظات التي صنعت ذلك اللحن الذي أطرب الحبيب وهو في قمة حزنه !!! ولعل السبب الذي عمق هذه القصيدة في نفسي هو اعتقادي الشديد بأن الحبيب لم يكن يكن يقصد نفسه بهذه القصيدة وإنما كان يتحدث بلسان سيدنا يوسف عليه السلام والذي تمثله في جميع أبيات القصيدة ولرب نظرة فاحصة اخرى تؤكد ضربا مما اقول :
انظروا الى هذين البيتين:
كم كنت بي حبك سعيد وعادت عليَّ سنين دجن
زجتني في ظلمة جفاك ولبست هجرانك كفن
الا ترى فيهما ثمة صلة بالرؤيا التي عبرها وهو في السجن . فسنوات السعادة التي تعقبها سنوات الدجن إشارة إلى الرؤيا وان ظلمة الجفاء إشارة إلى السجن الذي لبث فيه مظلوما وأن الكفن الذي لبسه فيه إشارة إلى القميص الذي ارتبط بموته مرة وبعلاج ابيه مرة أخرى!!!!
ثم انظر إلى قوله :
عهد النعيم الكان معاك قضيتوا زي أحلام وسن
كان نعمة من فضل الزمان والليلة دفعني التمن
الا ترى أنه يتحدث عن الايام التي قضاها سيدنا يوسف في صباه وهو ينعم بذلك الحب الخالص من أبيه وكيف ان ما ولده هذا الحب من غيرة طائشة من أخوته قد دفعته ثمناَ غالياً بدأ بقذفه في البئر وبيعه بأبخس الاثمان ثم تعرضه لامراة العزيز ثم تعرضه للسجن دون ان يقترف ذنباً قط؟؟؟؟
ولك كذلك ان تنظر الى قوله :
نوب الدهور زادن علي خلتني أدمنت الحزن
وأصبحت زي شجرة عذاب مغروسة في أرض المحن
الا ترى انه ههنا يتحدث عن تجربته في مصر والحزن الذي اصابه واصاب اباه نبي الله يعقوب حتى فاضت عيناه بالدموع والظرف الذي اضطره لأن ياخذ أخاه بما يوافق دين الملك ثم يرى تلك المحن التي مرت به وهو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ولكنها غرست في ارض المحن والابتلاءات!!!
ثم انظر معي إلى قوله
يا ريتني أخترق العهود وأعبر معاك خلف الزمن
لا تمضي من عمرك سنين لا بكرة يغشاك الوهن
الا ترى فيهما رائحة حديثه مع اخيه الشقيق وكانه يخاطب اباه ويقول لك عندما يصلك هذا الثوب سيرتد اليك بصرك وسيغادرك الوهن!!!

وعلى كل فالحبيب لم يكن يرمي إلى شئ من هذا بكل تأكيد ولكني كنت أخاله من شدة ما لاقاه من محن فقد تجسدت فيه معاني هذه السورة العظيمة التي أعجزت المشركين واليهود والمسلمين على السواء وقدمت أنموذجا لقصة واقعية تولى تفصيلها القرءان الكريم في لغة معجزة وتصوير قرآني بديع ولا شك انه قد تأثر بها بدرجة ما وقدر ما قبل ان تمتد يده الشاعرة إلى تصوير حاله وعذرا أن شطح بي المقام وتجرأت ريشة
لصور الشعرية في شعر الشايقية ، مؤكد أن بعضها يفوق ما أتى في ديوان العرب ، منذ إمرئ القيس وحتى يومنا هذا ، أرجو أن نتخير الصور الشعرية من أشعارهم البديعة ، وهذا توثيق وقد يتطور لدراسة يصدرها فريق البحث هنا بالمنتدى ، ومن يدري قد تذهب إلى مراكز بحثية ثقافية ، وقد تدخل في يومٍ ما ضمن مناهج ومقررات ذات صلة بالثقافة أو الأدب أو علم الاجتماع ؟


  لتكون الصور كلها في بكان واحد .. ولعلني أنقل   عن المبدع الشاعر كمال حسن
قلت ضمن خصائص شعره ، أنه يأخذ مقاطع من القول الجاري ، كمثل أو حكمة ، أو يستخدم تعبير شائع مضطرد ، وأضيف التلقائية في التعبير ، لدرجة متناهية ، ففي قصيدة يخاطب فيها قمرية هيّج تغريدها أشجانه وخشي أن يتأذى قلبه المقرّح المجرّح ، فخاطبها بتلقائية تتدفق من المطلع :
جاي تغني تخربي قلبي
خلي ياقمرية حبي
وفي أغنيتين أعطاهما مؤخراً للمبدع ودجبارة ، نجد استخداماته للتعبير السهل المستخدم باضطراد :
طالما الدرب جابك غسب عصفورة في إيد العواصف
ياقلب ماقلنا مابتقدر توالف
يقول فيها :
يفرق كتير حال مستجير بينارو من رمضا العواطف
حتى المسير عز الهجير أفضلو من حزنو المخالف
وفي الاستخدام الأدبي الشائع "كالمستجير من الرمضاء بالنار"
وفي الاستخدام الشعبي الشائع : أصلو شتاً مخالف ، ويقول أحدهم : السنة دي التمر شايل شيل مخالف " ....الخ وهذا المجروح في حبه ، المسير عز الهجير أفضلو من حزنوا المخالف . حزن زائد . ولك أن تنظر إلى هذه الصور المتحركة .. شخص يعيش لوعاته وأشجانه على نحو "مخالف" يعني زايد .. فهو يستجير بينارو من رمضا العواصف .. ثمّ يجد أنّ المشي في هجير حارق ورمضاء حارقة ملتهبة أفضل له من بقائه على هذا الحزن .. !! وهذا الشخص كأنه يقف أمامنا على هذا النحو الذي يجعلنا الآن نشفق عليه ونعطف لحاله !!
ويقول فيها :

جار المكان قبل الزمان الأصلو متحدي ومجازف
عدّم مواويلي الأمان أفناها زي الماهو شايف
شوفو استخدم "الأصلو" وهو تعبير شائع مضطرد ، يقولك أحدهم : المشكلة ما في الولد ، المشكلة في أبوه الأصلو ....الخ"
وفي الشطر الثاني : عدّم مواويلي الأمان أفناها زي الماهو شايف
الآن كأننا نناظر "الزمان" يدهس أغاني كمال ، زي الماهو شايفا .. عدم مواويلي الأمان أفناها زي الماهو شايف ..!!
جعل للزمان القدرة على أن يفعل ، وهذه قالها الشعراء من قديم ، لكنه جعل الزمان يفعل مع سبق الاصرار والترصد ، وجعله كائناً حياً له عقل ووعي وسمع وبصر ، أفناها زي الماهو شايف .
في قصيدته الأخرى لوجبارة "حبيبتي مع المواسم بلى النوار مندي"
زهيرة ويامطيرة عليجلاتا صُبي
وعليجلاتا عبارة معتقة معجونة في تلك البيئة ، ولا أظن أنّ أحدهم استخدمها في شعره .
في قصيدته "سحيبات المواسم" التي يصدح بها معاوية في ألحان وأشجان متمازجة ، يقول للسحيبات :
ياسحيبات المواسم طلي دارن في العشية
وإمبقت راحو المعالم أدي بالإيد التحيّة
وهذه صورة متحركة للسحيبات ، فهي من أعلى تبلغ سلام وتحايا كمال ، وفي حال راحت عنها معالم البيوت ، فعليها أيضاً أن تلوّح بالتحيّة ..!!
وفي قصيدته بكرة راجع يقول
أفردي أحضانك مشارع لي شان من غربة راجع
إنتي عارفة الشوق ينازع فيني زي ما الروح تنازع
وهذه صورة بليغة جداً في التعبير عن الحرقة والأسى والمعاناة التي يعيشها مع أمواج الشوق المتلاطمة التي تتضارب داخل صدره ، ويعيش منازعات قاسية مع أشواقه ، فحاله كحال من يعيش منازعة الروح !! وهنا ربط الشاعر مصيره كله برؤية محبوبه .. وإلا فإنّه يعيش حالات خروج الروح تماماً بفعل أشواقه اللاهبة الحارقة !!
وفي صورة شعرية بديعة في ذات القصيدة ينقل لنا المبدع كمال "اللحظات الجوانية" و" نفسية " أحد طرفي الوداع ، يقول فيها :
تطري كيف عشم المودّع ينقطع وكتين يوادع ؟
وهي لحظات تذكرني بأبيات أبو الإبداع دكتور توفيق فقد سبق كمال في نقل هذه اللحظات الحرجة عند الوداع ، وذلك في قصيدته الشجيّة الحبيبة المليئة بالحن والشجن التي يقول فيها :
خوفي في زحمة سنينك بكرة ترحل
تسيبني في أحزاني عايش في انتظارك لمّ توصل
إنت عاد كيف دار تفارق ؟ والفراق ما من طباعي ؟
إنت عارف لمّ ترحل ترحل تبقى عجّل بي ضياعي
إنت في قربك مماتي .. كيف تكون ساعة وداعي ؟!!!
يوم وداعك بلقا روحي سابقة روحك دار تسافر ..!!
وهذا ما رأيناه من قبل ، أن يعيش الشخص لوعة حارقة في ساعة الوداع فلا يملك غير أن يسافر إلى ذات الديار التي سيسافر لها من يودعه .. بل يسبقه إليها .. !!
وهذه الصورة عن الوداع نقلها كمال في بيته السابق :
تطري كيف عشم المودّع ينقطع وكتين يوادع ؟
وفي شطر أحد أبياتها يقول لها :
لا الحروف بلّاها وعدك للشعر نوارو فاقع ..
ما أبدع كمال وما أروع معاوية وهو يتنقل بصوته المميّز وببراعة واقتدار وجدارة في تموجات بديعة بين الصور الشعرية وبين تثنيات وانحناءات اللحن المليء بالحِن والشوق والشجن .

أضع هذه الإشارات التي قد يتغلّب أستاذنا أسامة معاوية على ظروفه فيشاركنا البركة ويفك الإشارات بسرد وتحليل مفصّل ، وفوق كل شارح ومحلل د. توفيق ، فهو عايش ويعايش هذه النصوص روحاً وتجربةً شعراً ونقداً ..
( دسيني دسيني
شوق العمر غلاب والريح مباريني
دسيني في الأهداب
جايك من ماضي
الخلوة والكتاب
والشيخ مزازيني
،،،،،،،،،،)
وقصيدته البديعة المليئة بالصور المتحركة ، لا أحفظها ، ولكن فيها هذا التصوير البديع يقول فيه :
ألّوصفلك قواديسنا
تمرقي تحت ستر ليلك
تمرقي قبل رواكيبك
يلاقنك بقر نفس تخليهن
بعد انقايه إنقايتن
تشوف البتق الفيهن
تبن شيخنا الشفيع يي داك
وديل رايات وهوابين
هني القيساب
محل نتلاقا نتقالد هني القيساب
اقالدك إنت مني وفي وتفيضي وتزيد مناسيبك )


الآن نحن أمام صور شعريّة مدهشة ..
من بيئة بسيطة مدهشة ..
كلماتها بسيطة ، وعناصر الصورة بسيطة ، يراها الناس كما اعتادوها ، بسيطة .. الطير .. الحفلات وأغانيها الجميلة .. أطفال المدارس .. إمرأة " تخُش " اللبن لتستخرج منه السمن .. "البرازي" وهي المساحة التي تتم فيها علميّة استخلاص الحبوب من سنابلها عبر عمليّة معروفة تسمى بالنوريق .. كلها عناصر مشاهدة باعتياد .. ولكن الفنان الجميل شاعرنا المبدع أسامة معاوية ، بخياله الخصب ، وشاعريته المحلّقة ، وموهبته الفطريّة المتدفقة ، استطاع أن ينساب مع هذه العناصر المعتادة ، ليركب لنا صورة شعريّة غير معتادة .. على الاطلاق ..
كتب في يوم 24/6/2002م وهو في غربته بمدينة الشارقة ، كتب ــ كما أظن ــ يناجي الوطن ، ويخاطب القرية الحالمة الوادعة التي عشقها وجرى في ترابها ، شرّك للطير فيها و"قبّض" الداننين ، وجرى وراء فراشاتها .. كتب يخاطبها متوسلاً للعودة بعناصرها ذاتها .. عساها تعفو عنه هجرانه وابتعاده ..
قال للقرية التي أحبها وأحبته :
جيتي ليكي
بلا الغناوي الباقّة فرحة
وراجعة آخر الليل ترازي
جيتي ليكي
متل شويفعين المدارس
يوم تلاقيهن اجازي
والقماري الاستحمّن
فوق طريف جدول يغنّي
وشالن الشوق للبرازي
وزي عيون أمّات يخشّن
في لبينة الحال وبالن
في تمامة الفد قزازي

محاولة للشرح :

جيتي ليكي
بلا الغناوي الباقّة فرحة
وراجعة آخر الليل ترازي

لعلنا جميعاً نقف باندهاش ، مع هذا التصوير الدقيق الذي لم نتوقف عنده يوماً .. لكل واحد أن يلاحظ "الآن" حالته وهو ذاهبٌ إلى "الحفلة" وكميات الدفق المعنوي التي تسري في شرايينه .. والحيويّة الوثابة التي تجعل خطواته تتقافز بإسراع .. ويقارن حالته وهو راجع من "الحفلة" ... "يرازي" من النعاس ومن الوقوف وقد قضى وطراً من الطرب ومتعة وبهجة الحفل .. كذلك المقارنة مع الأغاني ، فهي "تبق فرحة" أثناء الحفل ، الجميع يلفه الفرح .. والفرح يبق من هذه الأغنيات الجميلة التي تتدفق من بين سلوك الطمبور الخمسة ، ومن بين الألحان العذبة وتفاعلات الكورس وتفاعلات الجمهور مع المغني .. ولكن هذه الأغاني ، بعد كل هذه الحيويّة الدافقة ، تعود مع كل واحد "هو يرازي" وهي في دواخله "دايخة" " ترازي" .. هو الآن ذاهب إلى وطنه ، في حالة معنويّة عالية ، ليمتلئ طرباً بالأهل كما يمتلئ الذاهب إلى الحفلة طرباً .. ولكنه يبكي حالته وهو يعود إلى ديار الاغتراب "قبل أن يبدأ رحلته !!" .. ويصف حالته وهو عائد بعد الاجازة ، كحالة الأغاني التي كانت تبق فرحاً وهي تعود آخر الليل ترازي ..هذه الصورة لم يسبقها عليه أحد ..
ويقول لها في المقطع الثاني :

جيتي ليكي
متل شويفعين المدارس
يوم تلاقيهن اجازي

ولعلنا جميعاً ندرك هذه الحالة من الفرح ، حينما يقولوا غداً اجازة .. أو بعد توزيع الشهادات وتبدأ الاجازة .. لعل كل واحد الآن يتحسس حالته المعنويّة يوم كان طفلاً صغيراً يستقبل الاجازة .. إنها صورة دقيقة استطاع أسامة أن ينتزعها من ذاكرته الفياضة ويغسلها في خياله الجميل المليء بالمشاهدات الحيّة من القرية .. والذي يقرأ لأسامة ، يدرك ذلك بكثافة مدهشة .. وأظن ــ أو أجزم ــ أنه غير مسبوق في استلهام هذه الصورة الجميلة ..
وعن ذات اللهفة لزيارة القرية ، يشبه حالته المعنوية حين العودة فيقول لها في المقطع الثالث :

والقماري الاستحمّن
فوق طريف جدول يغنّي
وشالن الشوق للبرازي

ما أجملها من صورة .. ما أجمل هذه العصافير وقد استحمت على طرف الجدول .. والجدول نفسه يغني .. قلت قبل قليل في نفسي : ربما كان هناك خطأ في الكتابة ، فالشاعر نسب الغناء للعصافير نفسها بعد الاستحمام .. ولكنني أعود لأرجّح أنّ النص على حاله هذا هو الأصح .. العصافير قد استحمّن على طرف جدول هو نفسه يغني .. والله لحظات جميلة .. أين لنا بهذا الواقع الجميل في تلك البيئة الساحرة ؟ ولكن لنعد للحالة المعنويّة لهذه العصافير .. كل واحد الآن يتخيّل الحالة المعنويّة لهذه العصافير بعد الاستحمام على خرير هذه المياه الرقراقة وسط هذه الخضرة الجميلة .. لاشك أنها حالة معنويّة عالية .. ولكن المعنويات أكبر من ذلك بأضعاف مضاعفة .. فالعصافير الآن في موسم سنوي مهم تنتظره كل عام بصبر ولهفة ، هو موسم الحصاد .. العصافير بعد الاستحمام "شالن الشوق للبرازي" وهذه أيضاً صورة موحية جميلة رائعة ، أظن ــ أوأجزم ــ أنه غير مسبوق إليها ..
ويختم لنا حِنّه ودفقه المعنوي وهو يعود للبلد ، بهذه الصورة الجميلة البديعة ، يقول :

وزي عيون أمّات يخشّن
في لبينة الحال وبالن
في تمامة الفد قزازي ..

ما أجمل هذا التصوير الدقيق المركّب .. هو هنا لا ينقل لنا حالته المعنويّة فقط ، ولكن كذلك حالته النفسيّة .. ويمازج ويطابق بحالة الأمهات "الأُمات" وهنّ يستحلبن الرزق من خلاصات الحليب ، بعد أن "يروّب" ثمّ "يخُشنُّو" .. ولكن التركيب العجيب البديع لأسامة ، أنّه جعلهنّ ــ في ذات اللحظة ــ يَخُشِّنْ "الحال" نفسه ..!! وهذا يغني عن حديث طويل يصف حالة الفقر والحاجة التي يعناين منها .. فامتلاك السمن ، صحيح أنه يشير إلى ميسرة ، ولكن ... كل فواتير الحياة الكثيرة تنتظر هؤلاء النساء بموازاة كميات محدودة من السمن، كمية غير تجاريّة . كما نعرف ونعايش هذا الحال هناك .. وقد اختصر المبدع أسامة هذا التفصيل لأنّه أتى لنا بالذي يدور في رؤوسهنّ ، وأتى لنا بما يدل على الكميّة إن كانت تجاريّة أم كانت محدودة .. فقال إنّ بال هؤلاء النسوة "في تمامة الفد قزازي" ... هذه صورة جميلة ماثلة أمامنا الآن .. ببراعته استطاع أن يجعلها شاخصة بكلمات قليلة جداً .. والبراعة تتجلى أكثر ، في أنّه أتى بهذه الصورة لتحكي صورته وحالته المعنوية والنفسية وهو يمني نفسه بزيارة القرية أو زيارة الوطن .. حاله مأخوذ أيضاً من هذه الصورة .. هو الآخر يخُش في لبينة الحال عساه يستحلب وفراً ومدخراً ، لا يعود على الحالة التي رفضها من قبله الشاعر الكبير حميد التي لايطيقها نفسياً ومعنوياً واجتماعياً "كان رجعت واديني فاضي" ..
ما أبدعك الشاعر الجميل أسامة معاوية وأنت تنقل لنا حالة زيارة المغترب لوطنه ، مأخوذة من هذه المقاطع القصيرة المليئة .. مقاطع تبدو خفيفة ولكنّها تحمل حمل بعير ، وذلك حملٌ غير يسير ..

جيتي ليكي
بلا الغناوي الباقّة فرحة
وراجعة آخر الليل ترازي
جيتي ليكي
متل شويفعين المدارس
يوم تلاقيهن اجازي
والقماري الاستحمّن
فوق طريف جدول يغنّي
وشالن الشوق للبرازي
وزي عيون أمّات يخشّن
في لبينة الحال وبالن
في تمامة الفد قزازي

أتمنى أن أكون قد وفقت لسبر أغوار هذه الصور الجميلة المدهشة .

للجبالي الهميم أخي وأستاذي إبراهيم بكري التحيّة وهو يعتّل هذه المادة الغنيّة إلى مكتبة أسامة .
وللصديق الشاعر الجميل أسامة أجمل تحيّة وهو يرسم لنا بريشته الحاذقة هذه الصور الشعريّة الرائعة .

]أحسن الله إليك اخي الأديب المتفرد محمد خير وزادك على عمق الموهبة عمقاً وبديع الإحساس إحساساً فقد طوقت هذه الأبيات الرائعة بثوب من الجمال وفتحت شهيتنا لما احتضنته من حلاوة . فهي والله البساطة مع العمق . والحلاوة مع الصحة ( بحيث يتناولها مرضى السكر) إنها تشبه البداوة في حسنها والحضارة في توهجها .
وليس لي أن أبيع على بيعك ولا أن أسوم على سومك ولا أن اخطب على خطبتك !!! ولكن يحدوني أمل كبير في أن اهمهم ببعض كلمات ساقها إلي الشوق الذي حملته كلمات الشاعر الأديب أسامة وحلقت بي في سماء العجب ما قدمته لها أنت من شرح وبيان .. فقط أريد أن أنظر مسترخياً إلى هذه العبارات ....
ا
الغناوي الباقّة فرحة
وراجعة آخر الليل ترازي!!!
اي جمال هذا ؟ كيف يبق الفرح من وقود الغناوي؟؟؟ وكيف يعود كالأعرج الذي ليس عليه حرج!!!
ثم انظر ..
جيتي ليكي
متل شويفعين المدارس
يوم تلاقيهن اجازي!!!
هلا تأملنا كلمة شويفعين ؟؟ الا يكفي أسامة هذا المدمن أبداعاً أن تدله كلمة شافع على الطفولة البريئة ؟؟ فلماذا أصر على تصغير الصغير؟؟؟؟

ثم لك ان ترجع البصر كرتين وتتأمل :
والقماري الاستحمّن
فوق طريف جدول يغنّي
وشالن الشوق للبرازي

اليس من الممكن أن تعبر كلمة شالن بفتح اللام عن معنى رائع وشالن بكسر اللام عن معنى أروع؟؟؟ أنها صورة ملتهبة فالمعنى الأول يرمي إلى الماء الذي هو في الجدول الذي طالما يتمنى المكان المسطح ليريح قليلاً من خريره وهو ما لم يتوفر إلا في البرازي التي يدخلها الماء بهدوء القمر فيستريح من خرير المنحدرات !!! وهو معنى سائغ ذو طعم كطعم الفاكهة .. وأما المعنى الثاني فهو أكثر أمتاعاً وأولى دهشة فما أحوج القماري إلى ناديها ومستودع رزقها وها هي قد استحمت واستجمت من شقاوة الدنيا وجمع المخزون وجاءت إليه تسعى !!!

ولك كذلك أن تقف مكتوف اليدين أمام قزازة السمن هذه التي هي أقصى ما يرتجيه ويتأمله أهلنا وهم يجمعون لبن الأمس واليوم والغد !!!
وزي عيون أمّات يخشّن
في لبينة الحال وبالن
في تمامة الفد قزازي
ثم انظر إليها مجتمعة !!!! هل ترك أسامة للشوق شيئاً ؟؟ وهل ترك الشوق لأسامة شيئاً ؟؟؟ أنها صورة أضعف ما فيها أنها بديعة ومدهشة .. شكر الله لابن أخي أسامة الذي يشتكي منه اليراع في الحالين : إذا أهاجه وإذا أستهان به ,والشكر لك أخي الأديب الناقد المحنك محمد خير عوض الله والشكر للمتداخلين د. عبد الوهاب ، الفاضل ، أبراهيم على هذه الشهادات المنصفة والكلمات التي تسللت من بين أوصال الجمال . والبيت دا ذاتو بجيهو بقرايات متنوعة وشاملة
انت عارف يا أسامة
كنت سأتفق معك تماماً فيما ذهبت إليه في أن هذا البيت من أجمل ما كتب في الخيال الشعري لولا أنك قاومت فينا هذا الاحساس بقولك :
وشن تنفع مع ضلك
حبيبات حبنا الرقراق
وما قامت صلاة اشواقنا
في بعدك
علی لقاط تيممنا
وانت وضونا للأشواق؟؟؟

فكمال .. حتماً جعل لليل بعداً جديداً لم نعهده في شعر المتنبي الذي يقول
ليالي بعد الظاعنين شكول
طوال وليل العاشقين طويل
ولا في شعر أمرئ القيس الذي تمنى انقشاع الظلمة حين قال
الا ايها الليل الطويل الا انجلي بصبح وما الاصباح عنك بأمثل ؟
 
وجمالاً.
لقد مر الأستاذ محمد خير مروراً طفيفاً علي بيت كمال حسن محمد
ياسحيبات المواسم طلي دارم في العشية
ومنك إن راحوا المعالم أدي للنيل التحية
أنظر إلي جمال هذا التصغير ( يا سحيبات) وتأمل حلاوة الأمر (طلي دارم في العشية) وقف قليلاً عند كلمة العشية تجد نفسك قد تذوقت طعم الحنين فهذه الكلمة لم نسمعها منذ زمن طويل ،إذا تأملناها نجد الشاعر قد إختار هذا الوقت (العشية) بذكاء لانه وقت يكون الجميع فيه قد أتوا الي منازلهم،لذا أمر هذه السحيبات وتخير لها هذا الوقت لانه يعلم أن المحبوب او من يقصده سوف يكون موجدوداً فيه، كعادة أهلنا في الريف.
اما اذا تابعنا الجزء الآخر من البيت سنري عجباً تأملوا معي حلاوة هذه المخاطبة (ومنك إن راحوا المعالم أدي للنيل التحية) أن كمال في هذا الجزء أبدع أبداعاً منقطع النظير فنلاحظ أن إصراره علي وصول هذه التحايا والأشواق جعله يقول ومنك إن راحوا المعالم أدوي للنيل التحية (وهو هنا ما خلالوا فضلاً ناقص) فالنيل هو الكل في الكل فلابد أن تصل هذه التحايا فاذا شرب المحبوب أو أكل ستصله هذه التحايا لان المصدر الأساسي للمأكل والمشرب هو النيل.
· ملحوظة
هذا البيت براهوا قصيدة كاملة


في الشعر الشايقي، كما هو في الشعر العربي، هناك توسّل بالطيور، والتوسّل مقصود به طلب العزاء والتخفيف والتهوين، وفي ذات الوقت، هناك معاتبة للطير، إن بخل بهذا التخفيف، أو تسبب تغريده في "تفتيق الجروح" حين يذكّر بالمحبوبة ..
ودخول الطير في الشعر، أيضاً لأغراض أخرى، منها نقل الرسائل للمحبوب، حيث لم يدخل "الإيميل" في الشعر إلا حديثاً ربما، وكذلك أنواع البريد السريعة التي استحدثت مؤخراً ..
في المنحى الاوّل، يقول الشاعر كمال حسن محمّد للقمريّة، وقد سبق لنا تناولها : ــ
جاي تغني تخربي قلبي .. خلي ياقمريّة حُبي
..................
وقد سبقه الشاعر الكبير محمّد سعيد دفع الله، بقصيدتين شهيرتين، تغنى بهما ودجبارة وأجاد كعادته، ولأننا نتلقى المفردات من الإذاعة، نرجو المعذرة في تجاوز الدقة حتى يأتينا اليقين:
أظنّك انخمل بيغادي في ضل التمر ياطير
.......
ويقول في قصيدته الأخرى المليئة بلواعج الحزن، يريد التخفيف بتغريد القمريّة، وفي ذات الوقت يريدها أن تكف عن "القوقاي" حتى لاتزيد مصابه وأوجاعه :
ابديهو الهديل .. كدى غنى لى ّ
حتى ان كان قليل .. يبرد علىّ
يقيف دمعى البسيل وتجف عينى
لا تبكى و تنوحى ... كفاك انينى
تفتقى لى جروحى ... مع حنينى
انا الفارقت روحى ... قضيت سنينى
اريت ان كان مرادى انا بى ايدى
............................
اه اواه واه ... قمريه غنى
معاكى قليبى تاه ... بس لا تضنّى
انا القاسيت اذاه .... اهديكى فنى
لا تزيديلى جرحى على العلى ّ





 
اما التوسل والتشاؤم والتفاؤل بالطيور فهو موجود منذ القدم عند العرب وما زالت تلك الاعتقادات عند البعض الى يومنا هذا
فقديما قال المقنع الكندى لقومه
إن زجروا طيرا بنحس تمـر بي ........زجرت لهم طيرا تـمر بـهم سعـدا

هذا دليل تشاؤم بالطير , ونلاحظ الشاعر محمد احمد الحبيب يتشائم بالغراب دون سائر الطيور
حلق غراب البين اشمعنا ياوادى
طلاك وجاك من وين تحليقو ما عادى
خايف يكون مرسال لفرقة او اهمال
باكر تكون اطلال ما احزنك وادى
(غراب البين التى غناها المبدع يعقوب تاج السر)

وهذا شاعر اخر من دار شايق يندب حظه الذى اتى به الى المدن ويلوم نفسه لم لم يسمع وصايا القمرى

حذنانه عصافيري بتبكي لانسمه تعطر لاهبباي
والقمري الراحل تالا السافل قال لي لاتمشى مشيت براي

وايضا قال
ياقمري تعال قبال ترحل سفرني معاك شيل همي معاي
وانا تبن خلاص من ها الغربه وداير ارحل يلا امشاك وياي
وديني هناك لي اهل الحن المن مفطوم ولي هسه معاي
عارفين حالي وعارف حالم والحال عالمبها يامولاي
الوجه الباش الكلمه الطيبي رقاد ارتيقنا البن والشاي
المدن ا صاحي عساها تطير زادتني علل دي القلته شفاي

والامثلة كثيرة
شكرى
ما الطف حميد حين قال:
لاني البلومك في الحصل
لا الجدَّ منك أفسِّلو
بس ياني ، غبرين النخل
بتجي المطيرة تغسِّلو

نرى انه قال غبرين وليس غبار! وايضا تجى المطيرة وليس المطر لان هناك فرق كبير بين المطيرة والتى تكون بخفة ورفق فهى غيث وبالطبع الغيث يختلف عن المطر، انها صورة رائعة منظر سعف النخيل بعد المطيرة ومع رائحة الزيف انه اجمل من قوز قزح الذى تغنى به كثير من الشعراء
التحية للقامة حميد
ما كنت قايل في غرامك لي شريك
لكن عرفتَ وتاني ما برجع إليك
والله كل ما إتذكرك إتذكر إنو معاي شريك
زي ما قليبي أنا إشتهاك تلقيهو أيضاً مُشتهيك
قولي لي ذنبي وذنبو إيه ما الناس جميع مفتونة بيك
طماعة يا ست الجمال كيفن تطيري مع جريك

رحم الله المبدع الرقيق المرهف جاد الله عثمان، ونسأل الله أن يعوّض شبابه، وقد بث أشجانه منذ صباه الباكر، وقد ذاعت قصيدته الشجيّة :" سلّم عليهم أهلي الأفاضل زاد شوقي ليهم" بكلمات رقيقة وألحان مختالة، صاغها إلهام وانسياب وانسجام المبدع المتفرّد يسن عبد العظيم عليه رحمة الله وغفرانه.

كيفن ألم عليك واتهنا ........ مـادام الظـروف حكمانـى
والزمن العنيد ماحنّ ......... والدنيـا العبـوس حارمانـى
حرب الريد على ما ونىّ ........ واسياف الغرام كاتلانـى
والقلب الجريح ومعنىَّ ....... جرحك دموا ينـزف تانـى
ماعزرونى فيك اهلنا .......... فيك كـل الخلـوق لايمانـى
ما أصلو البحب فى زمنا ....... فى قانونا بصبـح جانـى
قيس لو مرة حبّ وجنا ....... برضي أنا ذيوا روح شقيانى
بين الآهة بين الأنـه ............. الشقـى والعـذاب عنوانـى
كل ما القمرى قوقا وغنـا ......... تتهيـج علـى اشجانـى
طمبورنا وتر غنـا ........... احسبـوا جـوه فـى وجدانـى
راجى الله البيدى الجنة .......... بيك يجمعنى يـا المازيانـى
اكون رابط الحرير والحنة ......... ابشر والخلوق تبعانـى

رحم الله الشاعر المرهف المغرّد جاد الله عثمان
فقد بثّ لواعجه وأشجانه كثيراً، ورسم لوحات كثيرة، نسأل الله أن تجد من يجليها ..



يوم بابورا قام فرا وراهو أصبحت فى حسرة
وجروح قلبى الأبت تبرا
من الدبة وإنجرا وسريع النهمة فاتا جرا
دقائق وتانى قام فرا وفاتا قشابى بالمره
العفاض خلاهو ورا وهو خاشى قنتى بان شدرا
منصوركتى قام وجرى الكلد موره أمبكول فى ضرا
جوارى وكورتى جات دافره
الباسا وأوسلى ديك ظاهره
المقل والريح لقينا ضرا
القرير حيرنا فى الخضره
تومتى الخاشى بابورا
والزومة منارة الفقرا
على تنقاسى دمعى جرا
وسواقا عصربها الحجره
مبيتو الليلة وين يا ترى
وهو فى مروى الوقف غفرا

هذه الرحلة، وكأنّك تشاهدها، رسمها الشاعر عبد الله كنّة في لوحة من لوحات الشعر الشايقي، حين يخالط الحنين الأشجان، ويخالط الإبداع الألحان، يعيش الإنسان كفنان ..
شوفى الزمن يا يمه ساقنى بعيد خلاص
دردرنى إتغربت وإتبهدلت يا يمه ورينى الخلاص

بذكرك يايمه فى الدغش النسايمو يهبهبن
قايمة الصباح متكفلتى شايلة الحليلى على المراح
جبتى اللبن بى إنشراح
والساعة ديك يا دوبو ديكنا بدا الصياح
بتذكرك يايمه فى وكت الهجير
صالاكى نار الدوكى عستيلنا الفطير


المبدع السر يرسم بريشته المرهفة هذه الوحة التي ماجادت بها يد فنان قبله أو بعده، في حب الأم، وتذكّر حالاتها وهي تتفانى تسعد بنيها وتسعد أهل البيت .. لله دره ..




  فى قصيدته طرانى ايامنا الزمان :ففى هذه القصيدة صورة طبق الأصل لما كان يحدث لمراكب بجبوج بالذات فهى من السنط وتعتمد على المقاطيف والمدارى فقط وليس لها صوارى .لذلك عندما يهب هوا الصلاح يدو لى واحدة من البنيات الملائكيات الطبع طرحة وياخذو منها التوب علشان يفروه للمركب وليتكم تكونوا حاضرين لحظة الحياء والخجل وهى تنزوى تحت البطوس لتتمكن من نزع ثوبها واستبداله بالطرحة تلك لحطة لم يجد وصفها إلا هذا الرائع الكاتلو شوق البلد وهو عايش فيها وكلمة هو القادنا لى بر الأمان للشاف المنظر وعايشو تعنى الكتييييييير .....اواصل بإذن الله لو فى العمر بقية


فيهــو جـات حـلتنـاعـن سـاعة المغـارب
الشميـسى الـراخـى الـراســا
الأفـق لـولاهــا ..... مـالــت
وإنتكـت فـوق إيـد .. نعـاسـا
التمـيرة الـبين جــريـدا
فى الوكـرهـاجـد دبـاسـا
الخــلوق .. الطـالعـى .. نازلى
مـارقى ... داخـلى
الحـريمـات .. بالكــوارى
البهيمــات ... اليضجـن
بالشــرق بــورىاللــوارى
البنيــات .. طفـه .. طفـه
واحـدى واردى .. ومـاشى تقـدل
فىالـدرب مـاخـدالا وقفـه
للوقـايه المـايله تـعدل
والجـريدل فـوق وشيهـا .. وفـوق قفـاهـا .. مـويتـو كـبّـت
__________________
وهذه صورة ترجع صدى الذكرى الأليم لزمان مضى وأشياء لم يبق منها شئ إلا فى دواخلنا
المعضية عليها بالنواجذ ووجداننا الذى حُفرت ونُقشت فيه . نخرجها من آن لآخر رغم انها تؤلمنا
ولكن لأنها اجمل سنين العمر فهى كذلك تؤنس وحشة غربتنا المريرة ...وبجى صاد لو المولا اراد .



قصيدة غراب البين لشاعرنا الملهم الحبيب كلها صور ناطقة ماثلة للعيان ولكن يشدنى فيها المقطع الأخير والذى هو صورة بلاغية آمل ان ينبرى لها اصحاب الشأن والذين يعج بهم هذا المنتدى العامر
ويقول المقطع :
من جنة العشاق
إتحتت الأوراق
من ضلها الأفراق
قلعت اوتادى
لك ان تتخيل هذا الخيال الخصب وهذه البلاغة فى توصيح الصورة وهذه الإستعارات المكنية
كل ذلك غلفه بمكان ارتباطه وعشقه الزراعة والبلد والبهايم ودييرن والوصايا من الاهل بالحرص على البهيمات .ساق مايمكن ان يملا مجلدا فى هذا المقطع المختصر الوافى والكافى .
 وتصوير من آخر

في احدى الرحل السياحية الممتعة تجولنا مع دكتور توفيق الطيب البشير في ربوع بلادنا الحبيبة واستمتعنا برؤية تلك الصور الرائعة التي نطقت لنا معاني الجمال راجع (منتدى الصورة والصوت)
اليوم نتجول مع دكتور توفيق في رحلة اخرى اكثر متعة وجمالا ، انها رحلة من نوع آخر .
هي من نوع آخر لان (الكمرة) التي التقطت لنا الصور فيها ليست كمرة فتغرافية صنعت في اليابان أو امريكا انها كمرة شعرية صنعها لنا خيال دكتور توفيق الادبي. سوف نقف عند بعض الصور الشعرية في قصيدة (يا سحابة ظليلة جاية) فهذه القصيدة مليئة بالصور الشعرية البديعة .
فنقف معا ونتأمل .
فيك براءة طفل (نونو) لسه ما فات السماية
نحن هنا لا يهمنا من هو ذلك الشخص الذي حظي بهذه الصفات الساحرة لأن هذا أمر خاص لكن الذي يهمنا هو ذلك الجمال الذي تدفق من هذه الصور الرائعة في هذه الابيات .
الصورة الاولى .
عندما تسمع هذا البيت تقفز الى ذاكرتنا مباشرة صورة ذلك الطفل الصغير الذي لم يتعدى عمره بضعة أيام وعلينا ان نتخيل مدى كمية البراءة المرسومة على عيون هذا (الننو) الصغير
الصورة الثانية .
فيك نزاهة شيخنا لما يحضر اللوح والدواية
هذه صورة بديعة مشيعة بالايمانيات صورة شيخ حافظ لكتاب الله يرتدي ملابسه البيضاء وقد أخذ مكانه وسط حيرانه بعد ان اجتهد في تحضير ادوات القراية (انها صورة حقا جميلة) تثير سجونا كثيرة في نفوس من يراها
الصورة الثالثة .
فيك صدق حيرانو لما يهبو نارون للقراية
تأمل هذه الصورة جيدا نيران موقودة حولها طلاب اصفياء أنقيا يجتهدون الليل والنهار ولا يملون ليس لهم هم سوى حفظ كتاب الله تعالى انه صدق ما بعده صدق .
الصورة الرابعة .
يا سحابة ظليلة جاية يا ربيع من غير نهاية

نقف عند هذا البيت الساحر ونقارن بينه وبين ابيات اخرى وردت في شعر الشايقية فالجزء الاول من البيت (يا سحابة ظليلة جاية ) يرسم امام مخيلتنا صورة عجيبة فكل شخص عندما يرى سحابة ظليلة قادمة من بعيد يفرح لان ذلك يعني ان كل شيء سيصبح رائعا الجو - الخضرة – الظلال – العصافير
اما الجزء الاخر (يا ربيع من غير نهاية)
بالرغم من أننا في السودان ليست لدينا موسم ربيع الا اننا نعرف الكثير عن هذا الموسم الجميل وقد تناول كثير من شعرنا موسم الربيع في اشعارهم ، فهذا احدهم اعتقد انه عبد الله محمد خير يقول
في الربيع قالو الزهور تنضر تفتح * يا ربيع في حضنو كم لفاني وارتح

لاحظ كلمة (قالو)....!! بالرغم ان كلمة قالو كلمة قبيحة مبغوضة الى اننا نجد ان الربيع هنا قد جملها لنا
وقال الحبيب يا ربيعا ضاع مني
وقال اخر في مدح احدهم
يا ريت الجنيات جميع * تبقى زيك موسم ربيع
خلاصة الامر ان صورة الربيع عند دكتور توفيق هي اكثر جمالا وأشراقا من ربيع الشعراء الاخرين لانه ربيعا من غير نهاية
خاتمة المطاف
حبي ليك (كان) سر سعادتي و مبتغاي
لولا ان كلمة (كان) هذه وقفت لنا حجر عثرة امام (كمرة) د/توفيق الشعرية لرأينا مزيدا من الصور الساحرة . ولكن ...!!!
انا حا ادق باب الحبيب الشعري واترك ليكم تصوير المشهد
والتحية للقامة الحبيب علي كل الشئ القالو والما قالو وما اجملو وهو يقول:
سامعك من زمان تشكي الشتات والفرقة
مالك لما جيت طولت قاطع المرقة
وتحديداً لما قال المقطع الما غناهو قرشي:
إن بقي للشعر بوريك مقامك عندي
وإن كان للقلم مابدري كنت افندي
لو دايراني اقوم قومة نمر من شندي
مو ناقصني غير موت الشرف للجندي
مقطع يحكي روعة نفسة وتكتمل الصورة الجمالية عندما يرددها القامة عثمان

ويتواصل المد الابداعي للقامة الحبيب وهو يقول:
يا معالم بارزى فى تمر الحبيب
ويا رفاقى البيكم الخاطر يطيب
فى الفؤاد ذكراكم ابدا ما بتغيب

يا بنات فى الحلى نازلات للورود
فى تيابا زاهية زى لون الورود
ويا قلوبا صادقى ما بتخلف وعود

مفردات جميلة مرتبطة بمعالم قريتة الحبيبة ومنسابة الي وجداننا انسياب النيل الذي قال عنة ايضاً الحبيب:
النيل في البوادي بيجري يوم ما انعكس تيارو
بطراك انتي وين ماكنتي لي عشق الفؤاد تكرارو
وهل يكون العشق غير عشق الحبيب للمحبوبة (عابرة او كنين)
غنيت لي عابرة وكنين لليلي ماكمل الغنا
وحين قال:
بشوف فيها عالمي وكوني
كنين زي عابرة عملاقة
وحين قال :
ياصمد ساقتنا ما لاقيت كنين
همك مع طلب التمر وانا في كنين
ومع هذا العشق السحري ارتبط بشئ غريب , الخنادق والبنادق وقال :
حبي من وحي الخنادق ومن زفير نفس البنادق.

ولا اعلم ماهو سر الخنادق والبنادق في شعر الحبيب.

وانا أقل بكثير من ان أوفيه حقه فأرجو أن يساعدنى من هم أكثر دراية منى بهذا الشاعر القامه

واجمل كتابات

يا فاطنى هاك تمن التى سكبت يداك شربتها
أنجم موقعى من سما ليل الضياع وجمعتها
هى اخر الكلمات شعر لا قبلها ولا بعدها

و
فــــــــاطمه اه انا من زمانى ومن سنينى المظلمه
ومين يقدر يثور ثورة حنينى العارمه
قولة حبيب عاشقو القليب فى دارنا عيب ومحرمه


عندما يكون الحديث عن الحبيب يكون الحديث ذو شجون وله طعم جميل وكثير من الذكريات تتداعى الى الخاطر وهى ذكريات لها طعم خاص



ويتواصل المد الابداعي للقامة الحبيب وهو يقول:
يا معالم بارزى فى تمر الحبيب
ويا رفاقى البيكم الخاطر يطيب
فى الفؤاد ذكراكم ابدا ما بتغيب

يا بنات فى الحلى نازلات للورود
فى تيابا زاهية زى لون الورود
ويا قلوبا صادقى ما بتخلف وعود

مفردات جميلة مرتبطة بمعالم قريتة الحبيبة ومنسابة الي وجداننا انسياب النيل الذي قال عنة ايضاً الحبيب:
النيل في البوادي بيجري يوم ما انعكس تيارو
بطراك انتي وين ماكنتي لي عشق الفؤاد تكرارو
وهل يكون العشق غير عشق الحبيب للمحبوبة (عابرة او كنين)
غنيت لي عابرة وكنين لليلي ماكمل الغنا
وحين قال:
بشوف فيها عالمي وكوني
كنين زي عابرة عملاقة
وحين قال :
ياصمد ساقتنا ما لاقيت كنين
همك مع طلب التمر وانا في كنين
ومع هذا العشق السحري ارتبط بشئ غريب , الخنادق والبنادق وقال :
حبي من وحي الخنادق ومن زفير نفس البنادق.

ولا اعلم ماهو سر الخنادق والبنادق في شعر الحبيب.

وانا أقل بكثير من ان أوفيه حقه فأرجو أن يساعدنى من هم أكثر دراية منى بهذا الشاعر القامه

واجمل كتابات

يا فاطنى هاك تمن التى سكبت يداك شربتها
أنجم موقعى من سما ليل الضياع وجمعتها
هى اخر الكلمات شعر لا قبلها ولا بعدها

و
فــــــــاطمه اه انا من زمانى ومن سنينى المظلمه
ومين يقدر يثور ثورة حنينى العارمه
قولة حبيب عاشقو القليب فى دارنا عيب ومحرمه


عندما يكون الحديث عن الحبيب يكون الحديث ذو شجون وله طعم جميل وكثير من الذكريات تتداعى الى الخاطر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق