الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

شاعرات الشايقية

  نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر


قبل هذا كنت بمعزل، فقد أمسكت طويلاً عن هذا الفضاء المربك الغريب، ولكن الشاعرات نصرة بت محمود وزينب بت سعيد وستي بت إدريس ومهيرة بت عبود وفاطمة بت ود كنونة، أخذن مني كل مأخذ، فتذكرت عزة المرأة الشايقية في مجالس القبيلة، تناقش وتشارك بالرأي وتنظر في اصعب الأمور والقضايا، فحسبت الف حساب لكبريائها وعلو شأنها وشأوها وقوة حجتها وسطوة عاطفتها وعنفها عند ممارسة وصايتها على الأعراف والتقاليد وحينما تظهر ولاءها لأهل بيتها في نظم العديلة والسيرة والمناحة. تمثلت مسيرها في مقدمة الجيوش تنظم الشعر وتدفع بالفرسان إلى ميدان القتال على أصوات الزغاريد وإنشاد الأناشيد والألحان، كأنما تقودهم لساحة عرس. تذكرت عزلة أم الشيخ عثمان ود حمد وأم الحسين الشيخية وأميرة بت الملك جاويش، واستجبت للأميرة الأسيرة صفية بت صبير ملك الحنكاب والأميرة مهيرة بت عبود شيخ السواراب من موقع الوفاء والمراقب لتلك القلوب الجريئة وتوثباتها الفتية في عمق الأحداث، تصنع التاريخ وتضرب الأمثال وتؤكد على القيم والأعراف. وقفت طويلاً في حملة الشلالي عند إمرأة طه أب سدر وهي تقاتل وتضرب النحاس، وتحرض على القتال وتشكل مقاومة حتى تجمع عليها الأنصار، فماتت بطعنة رمح وفي يدها مسدس.
وعلى الرغم من ذلك لم أتوقف إلا قليلاً ولم أجد غرابة في إنعطاف المرأة الشايقية للشعر دون غيره من الأجناس الأدبية الأخرى لارتباطه بقوة العاطفة عندها وطبيعتها الحساسة. كما أن الشعر أصدق ترجمان لها، على إعتبار أنه أحد تلك اللغات المغايرة والممكنة في التعبير والبوح والمكاشفة، وصياغة سؤال الذات والكينونة بشكل رمزي دون تكتم أو مباشرة.
والناظر إلى منطقة الشايقية في القرن التاسع عشر يلاحظ إنخفاض صوت الرجل الشعري المشارك والدافع لحركية الأحداث، المتفاعل مع الحياة الساسية والاجتماعية، إلا من بعض شعراء المديح أمثال ود حليب وحاج الماحي وعبدالرحمن ود كور ـ أورد السيد محمود القباني في مذكراته ( من آداب القومية عندنا أن الترنم بأغاني الحب والرقص يعد من أكبر العيوب بل هو الدليل الناطق بفقدان رجولية الصغير والكبير، إذ الغناء لا يباشره في وسطنا غير الجواري، وليس في جماعتنا حرة تعرف الأغاني اللهم إلا نوع مراثي العظماء والكبراء، أما نحن فنترنم بالمدائح النبوية). ولقد عانى إخواننا من المبدعين (الطمبارة) إلى وقت قريب من سوء الفهم وعدم القبول. وكأن أداة القول والسكت فيما مضى السيف والحربة و(الكوكاب)، ولمن أراد إثبات ذاته ساحات الحرب والقتال والإغارة. كأنما الرجل إرتضى لسلطان الشعر أن يظل فضاءً نسوياً خالصاً، وسلاح تستغله وتحتكره المرأة لنفسها. أيضاً قد لا يخلو الأمر من دور للمرأة في تنحية وإقصاء الرجل، بتبني الشعر وفرض الأمومة القسرية على الفعل الإبداعي، خصوصاً وأن (الشايقي) غالباً ما يربأ بنفسه عن المنافسة في مجال إختارته واختصته المرأة لنفسها، وغالباً ما يفضل الموت على الهجاء والفضيحة. ولربما كانت عبقرية الرجل والجماعة ذاتها هي التي ملكت المرأة سلاحاً أمر من الموت نفسه، وعينتها رقيباً وعيناً على ذات الرجل خوفاً من التراجع والخذلان، كأنما لشحنه واستنفار رجولته ودفعه بدافع الخوف نفسه لمواجهة الخطر والموت، فحياة القرن التاسع عشر في المنطقة كانت في اشد قساوتها بحيث لا تحتمل الوسطية فإما سَائد وإما مَسُود. كذلك أغراض الشعر الكلية كانت قليلة ومحصورة في المدح والهجاء والرثاء وهي أمور اعتبرت عند الشايقية شأن نسائي شديد الخصوصية.
ولعبقرية الشاعرات أيضاً خصوصية، تمثلت البيئة والجماعة فتجاوزت التبعثر والإنغلاق على الشكلي المبهم المكتفي والمحتفي بنفسه ذاتياً وجمالياً، دون الوقوع في مصيدة الاحتكاك مع التقاليد ومفاهيم السائد المألوف لمجتمع أنجزت ثقافته واكتملت في تمام تفاصيلها. والملفت حقاً هذا الأمعان غير المتساهل في السيطرة على أطراف النص وخطوطه من الإنفلات أو الانجراف نحو الذاتي المكبوت والمسكوت عنه في عالم الحريم. هذا التحديد النصي والإلحاح على المضمون فرض شكلاً من (أدب الإلتزام) بإنحيازه لقيم الرجولة والشجاعة والتضحية.
أيضاً تمكنت المرأة عن طريق استقلال نصها الشعري عن الذاتية وعن الخصوصية النسوية من تحقيق موقع متقدم، ونوعاً من المعادل الموضوعي أستطاعت من خلاله حماية نفسها وسلاحها الشعري وتأكيد مشروعيته واستمراره. كما أنها أستطاعت صياغة صوتها ووجود ذاتها وتأكيد أهمية دورها عبر قيم ومفاهيم احادية لمجتمع ذكوري, بمعنى آخر يمكن القول أن النص الشعري النسوي في القرن التاسع عشر عند الشايقية في مجمله بنية أنثوية تأويلية لمجموعة من الرموز والمعاني والقيم الاجتماعية الذكورية تكون المرأة فيه مؤولة بمعنى من المعاني، ومضمرة في مجمل النص، ومحسوب حسابها.
يكتمل موقف المرأة الشايقية من المشاركة في الحياة السياسية ودورها في اتخاذ القرار على أعلى المستويات في رأي مهيرة بت عبود الذي صاغته شعراً عندما احتد النقاش بين المؤيدين والمعارضين للحرب وإحتار العقيد في المجلس المنعقد في (أم بقر) بالقرب من كورتي لمواجهة حملة إسماعيل باشا، حينها قالت مهيرة:
الليلة العقيد شوفنه كيف متمسكن
وفي قلب التراب متجكن
الراي فارقه لا بشفي لا بمكن
لا تعجبن ضيم الرجال بمكن
خلوكن براكن الليلة وحدكن
بتمشن تحاربن والا بتبكن
وعندما صمت المجلس ولم يحر العقيد جواباً أردفت بيتاً من الشعر غير مجرى التاريخ وحسمت مهيرة الأمر نهائياً لصالح الحرب حين قالت:
يا فرسان أدفروا احموا واطاتنا *** والا ادونا السيوف وهاكم رحاطتنا
فرد عليها خطيبها واحد فرسان القبيلة قافزاً :
نحن فرسان الدواس *** نحن نسبتنا عباس
دقوا يا أولاد النحاس *** شدوا خيلكم يلا للباس
فهب الرجال راجزين يتبعهم الكهول وقد أُقر مبدأ الحرب :
نركب ينقنق جرسنا *** غرب ود العود جلسنا
مالنا نحن إن فرشنا *** هيلنا من جاويش حرسنا
فترد عليهم مهيرة مشجعة وتذكر العقيد بين الأبيات كنوع من الاعتذار الذكي الحميم وكنوع من المكافأة للاستجابة لنداء الحرب وقيم الشجاعة والرجولة:
غنيت بالعديلة لولاد شايق *** البرشو الضعيف ويلحقو الضايق
الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر **** قدامهم العقيد بالأغر دفر
جنياتنا الأسود الليلة تتنتر *** يا الباشا الغشيم قول لجدادك كر
حسان بحديده الليلة اتلتم *** الدابي الكمن في جحره شم الدم
مامون يا الملك يا نقيع السم *** فرسانا البكيلو العين يفرجو الهم
وكان من الحرب ما كان من انهزام الشايقية بعد تلك الملحمة التاريخية وبعد أن خذلتهم القبائل التي حاولوا استنفارها للمشاركة في مواجهة حملة اسماعيل، والدفاع عن أرض وسعت الجميع، وتلك قصة أخرى قد نعود إليها فيما بعد.
تاريخ الشايقية ملئ بالنماذج من الرجال والنساء، صاغوا التاريخ في أروع الملاحم، حفظ بعضها واسقط بعضها.
كأنما المنطقة تعاني من العنت والتهميش، ومن شتى أنواع الموجات الباطنية التي تستهدف تاريخها منذ التركية السابقة. فكم من بطولة وكم من رجولة وكم من امرأة ظلمها التوثيق وأهملها التسجيل، حتى امرأة طه اب سدر اسقط اسمها، فلا يعقل أن يحفظ التاريخ اسم قاتلها من الانصار عبدالمنعم محمد من دغيم وينسى اسمها. وكأنما التوثيق لتاريخ السودان يصدق لمنطقة على حساب الأخرى. لكن العيب فينا نحن الأكثر حرصاً على ثقافتنا وعلى توثيق تاريخنا ووضع صفحاته الناصعة في دائر المنظور.

 (1)بت نعمة


هى:

فاطمة مسود محمد الطاهر، وشهرتها بت نعمى (نعمة) وهذه الكنية 
مصدرها إنها تزوجت ابن عمتها وعاشت مع أهل والدتها فربطوا اسمها 
باسم أمها وهي من قبيلة المسوداب أصحاب القبب الشهيرة بقرية
المقل، محافظة كريمة بالولاية الشمالية، وقد جاء ذكرهم في إحدى
الأغنيات الشعبية التي تقول بعض أبياتها:-
ياولاد جابر قولوا كب (1)
يا المسوداب أهل القبب
تقلعوا الميجر من صنب
بس عشان انو قليل أدب



لقد ورثت وأختها الكبيرة نظم الشعر إن جاز التعبير من والدتها نعمي
(نعمة) بت كرار وحبوبتها عائشة بت ود زروق. كما أنجبت بت نعمي
بنتين شاعرتين (العافية ونفيسة محمد كرار) ولكن بت نعمي وحدها،
كما يقول ابنها محجوب محمد كرار، التي وصلت بالشعر إلي غايات
بعيدة وعرفت كشاعرة في طول المنطقة وعرضها وأصبح الناس
ينادونها تمييزاً عن أخرى تحمل نفس الاسم ببت نعمي الشاعرة.



كانت بت نعمي أمية لا تعرف القراءة والكتابة، كما يقول ابنها محجوب،
ولكنها ذات ثقافة جيدة فيما يتصل بشئون الحياة وجمالياتها في
منطقتها، وكانت حافظة لأشعار غيرها من الأقدمين والمحدثين،
وراوية جيدة للسير والأخبار، كما كانت تنظم الشعر وتلقيه بصوت
فاتر ينضح بالفكاهة، ولها مقدرة في تقييم الشعر ونقده وتصحيح
أخطائه وكثيراً ما يعرض عليها ناشئة الشعراء إنتاجهم فتجيز البعض
وتنصح البعض بالمزيد من الاجتهاد والتجويد.



يقول ابنها محجوب انه قرأ أمامها ذات يوم قصيدة تقول بعض أبياتها: 
القشيش القام حرب بين الجبلين (2)
الحريص قراعو ما بيسقيه قرين (3)
السرف صافي لامن يبقي لبين (4)
فاستوقفته قائلة هنالك خلل بَّين في هذه القصيدة وهو 
د"القشيش القام حرب" يعني زراعة مطرية وليس لها قراع
إلا أن يكون المقصود بالمعني هو اسرافيل الموكل بالمطر 
وهذا معني بعيد جداً والصحيح هو أن يقول هذا الشاعر: 
القشيش القام حرب بين الجبلين
البكب سارية لأمن شافت العين



يقول ابنها محجوب أنها بعد أن تزوجت ابن خالها محمد كرار وكان شيخ
خلوة وفقير صلاة لم يتعلق فكره طوال حياته بطموحات في الحياة
الرغدة فعاشت فقيرة كادحة مكافحة تضفر السعف بروش وتغزل 
القطن فراد ثم تبيعها في السوق وظلت حياتها علي هذا المنوال 
حتى كبر ابنها الكبير عبد الرحيم وعمل رجل بوليس بالنيل الأزرق 
وربط لها ماهية شهرية قدرها 40 قرشاً وقد تحسنت أحوالها بعد 
الخامسة والأربعين من عمرها. 
لقد عاشت بت نعمي حياتها التي تعدت المائة عام، تنمو وتتطور 
في عقلها وتتنوع خبراتها وتجود في إنتاجها الشعري وكل ذلك
واضح فيما نظمته من شعر.



شعرها: 
لقد نظمت الشاعرة في كل أغراض الشعر المختلفة من شكر، 
وهجاء ورثاء وتحريض فكانت غزيرة الإنتاج وأخر قصيدة نظمتها
قبل وفاتها عن ابن حفيدها من ابنتها العافية (حسبو) الذي جاء
بعد ست بنات تقول بعض أبياتها: 
ببدأ باسم الله وبقول
في حوي الحي اللابيزول
تبقي طيب وعمرك يطول
من رجال الدين العدول
لي اخياتك تضوي نور
تبسطن في فرحة وسرور



وان أول قصيدة نظمتها كانت في أختها من أبيها (خير السيد) التي
عملت مضيفة علي الطريق العام يخشاها عابرو الطريق، وجاء 
أحدهم ليقول كلاماً لم يرضها عن أختها فنظمت قصيدة تدافع فيها 
عن أختها وتذم فيها ذلك المتطفل، فشكاها لوالدتها فأعطتها علقة 
ساخنة ومن يومها كرهت القوالة فأصبحت لا تسمح لأي كائن من
كان أن ينقل لها قوالة حيث تقول:
إخواني الكرم ياهم مكانو (5)
اخواني الكرم مربط حصانو
أخوي فوق الدرب بربخ ديوانو (6)
وكتين الرخيص دخل لسانو
نعلي ياعطمنو اليمسك لسانو (7)



كما أنظمت قصيدة تهجو فيها ابن خالها وزوج ابنتها لاعتدائه علي برج 
حمامها في غيابها وأخذه جوز حمام من غير إخطارها، وكيف انه تصرف
هذا التصرف المشين الذي لا يليق بابن عالم جليل يئم الناس في الصلاة
ويتلو كثيرا القرآن، وان بخراته تشفي العليل الذي يزور مجلسه.
لي ود خالي بوريكم نتاه (
احمد في بلدنا العيب ختاه
عفوا ود البيصلو الناس وراه
ود البقرا والرحمن غشاه
ود القلمو للمرضان يشفاه
الباري الحمام يسرق جناه
تتخيل الشاعرة أن هناك بلاغ قد سجل في عاصمة الإقليم وان طلب
الحضور قد وصل للمتهمين وان ابنتها سترافق المتهم فهو زوجها،
وان الحكم صدر لإطلاق سراح طه وإدانة أحمد وإرساله للسجن
لشهرين، حيث سيعمل طلبة في إحضار الماء بالجوز تحت إشراف 
السجان تشير إلي ابن خالها إلا يهم بالسعوط فهي ملتزمة بإحضاره
له وإنها في مقدورها رشوة العسكري الحارس حتى يسمح بتسليمه
السعوط..
وكت وجب الحكم والناس حاضراه(9)
طه يفكوهو لي عيشه وجناه
احمد ينسجن شهرين براه (10)
لاتهم من السعوط انا ليك جايباه(11)
بكري العسكري ويديك اياه
تشير الشاعرة إلي أنها لم تكن تتهم طه فهي تعرف سارق الحمام،
ولولا أن احمد هو زوج ابنتها نفيسة لما سلمت عليه ولا ردت علي
تحيته حين تأتي المبادرة بالسلام منه:
لي طه أب صلاح أنا ماني قاصدا
تراني مملحا بو مع المعاك دا (12)
السارق الحمام بي قلبي خابرا (13)
الحساب لو عندو ولافي السكة لافا
إن كان مونفيسة الفي قارنا (14)
منو لاباخد السلام ولامني بلقا



طلبت الشاعرة من بت سعدة أن تعطيها تمباك، فاشترطت عليها أن
تعطيها التمباك مقابل أن تنظم فيها قصيدة، فاستطاعت في تلاعب
بالكلمات أن تأتي القصيدة ساخرة من بت سعده أكثر من شكرها 
بل ذمتها في بعض الأبيات:
أريد بت سعدة ياصيدة خلاكي 
يا نسيبة العمدة فوقك ود الذاكي
أنا بريدك واريد أمك معاكي
واريد حبوبتك البومة الجابراكي(15)
غناي أنا ما هو صح ساكت غاشاكي
بشيل تمباكي واضحك بي وراكي
حين سمعت بت سعدة القصيدة جاءت منفعلة تبحث عن الشاعرة فلم
تجدها فنظمت قصيدة قصدت بها امتصاص غضب بت سعدة وتسائلت
في شيء من القلق عن أسباب عدم انتظارها واثنت علي حبوبة
المسيخاب وعلي أهلها وكيف أنها كانت أمراة بخيتة ولكنها مترفعة.
قالوا الست زينب جات تهرج زعلاني (16) 
ليش روَّحت ما كان تقعد ترجاني (17)
انا لي حبوبه المسيخاب شن وداني 
دي بت السناقي أهل المعاني 
قالوا كانت مرة بخيتي وكان تغياني (18)



قالت تسخر من الذين يخوفونها بست زينب بأنها لن تخاف منها لأنها لا
سلطة لها عليها فهي ليست حاكمة وليست مدينة لها ولا مونتها عليها،
كل ما في الأمر أنها واحدة من عمات محمد واحترامها واجب.
انا ليش بخاف من ست زينب يا مجانين
لاحكاما علي ولاها ست دين
ولا بتكيل لي المونه ولا بتديني ملين
علي واحدة من عمات محمد تكرما العين



يهرب ابنها الكبير عبد الرحيم من القرية للمدينة، عزوفاً عن الزراعة
و بحثاً عن عمل بعيدا عن الزراعة ومشتقاتها، وتمضي الأيام والشهور 
ثم الأعوام وتصاب بقلق شديد فتنظم له قصيدة تشكو من خلال كلماتها 
عن مجافاة النوم لها بينما الكل من حولها نيام فتحتار إلي أين تذهب
وأخيرا تقرر زيارة جدودها الميتين الذين في البنية (الضريح) والذين في
القبتين ومعها سبعة رايات نزر، تطلب بجاههم أن يعود إليها ابنها الغائب
لعامين عنها.
أساهر ما بنوم والجمبي نايمين
وحاسي لاساعة السحور ياربي أروح وين
قمت مرق علي جدودي الجملة راقدين
الفوقو بنيي والتحت القبب الاثنين
وسبع رايات نزر شايلاها بالدين
لي تجيبو الغائب التمالو حولين (19)
إلي أن تقول:
انت أن قعدت مع السلامة
وان جيتنا يا الزين
وان ما جيت بننتظر الصغيرين



يمدح احد الشعراء زوجة أمام الجامع وحصر شعره في الخصال الحميدة 
لاسرة ممدوحته ولكنه تجاهل زوجها وهو ابن خال بت نعمي، فتصدت له 
بقصيدة مشيرة إلي قصيدة الشاعر مؤكدة بأنها لن تقول إلا الصدق وأنها
لا اعتراض لها على ما قاله الشاعر عن والد الممدوحة ولكنها أيضا زوجة
العالم الذي يعتمد الناس علي مشورته وهو إمامهم.
اللبيب جاب دفترو وجرجر سطورو
وقاسمي أقول الصح حديث كضب ما بقولو
ياها بت خبير العيش شقاق عتمورو
لكن عروس العالم الناس تشورو(20)
وبيقرا الخطبة يوم العيد صفولو



تعود وتسال الشاعر لماذا هو غاضب؟ هل فقد شيئا عزيزا أم هو مريض؟ 
الوصف الذي ذكرته عن الضو قليل بل وقليل جدا لهذا تود أن تضيف إليه
الكثير عن خلوته وضيوفها وعن جيرانه ونشاطاتهم.
مالك يالبيب الليلة زعلان 
عندك شيء مودرو والامرضان(21)
شكر الضو شوية انا ماني قبلان(22)
دايرا ازيدو واوزنو وأرجح بوميزان
خلوتو تقري كل يوم وفيها ضيفان
حيرانو مادبين ماسكين الليحان
ديل يضربوا ويجمعوا وديل يتلوا قرآن



وتواصل الشاعرة مدح ممدوحها واصفة اياه بقمر اربعة عشر الذي غطي
علي النجم ولم يصبح له وجود، وهي لم تسحره ويحفظه خالق الإنس
والجان.
يا قمر سبعة وعليهن سبعة يوم بان(23)
خفي النجم المضوي كانوا ما كان
ماسحرتو انا فوقو خالق الانس والجان



ينتقل مدحها إلي آهل ممدوحها مشيرة إلي أنهم رجال بينين وان جدولهم 
دائما به ماء وهم يزرعون الصيفي مبكرين، وهم أصحاب جنائن النخيل
المحمل بالثمار، ومسيدهم (خلوتهم) عامر بنار القرآن، وجامعهم يؤذن 
الحوار من مئذنته وقداحتهم مملوءة بالطعام في انتظار عابري الطريق
ليلاً ونهاراً حيث تقول:
ابواتك رجال بينين ولاد كرار
لين جدولن والصيف يسوقو بدار (24)
اسياد المبقع في السبايق شال (25)
واسياد المسيد الفيهو موقدي النار
آهل الجامع الفوقو آذن الحوار
بره قداحتن للقاشي ليل ونهار (26)



تعود مرة أخرى إلي ممدوحها واصفة اياه بالفنجري الذي اراح امه وازال
همها وانه دوما بشوش ووجهة الصبوح كالهلال الذي استدار، ودوماً يده
مبسوطة وممدودة للبعيد والجار، وان ما قالته لصدقه كل الناس .
ولداً فنجري ولي أمك مفضي البال (27) 
مطروح الجبين وجهك هلالا دار 
ممدود كفو نديان للبعيد والجار
قولي بصدقوهوا البي اليمين ويسار 



تهجو الشاعرة من شبان حلتها، ود صلاح، وعبد الغني واسماعين الذين
خرجوا من الحلة في أجمل أزيائهم، من يشاهدهم يعتقد بأنهم ذاهبون
لحفل ولكن مقصدهم مكان أخر (تقزو) وتعاطوا بعض المشروب وقرروا 
العودة لديارهم ولم يكن أمامهم غير سرقة المركب (المعدية). 
اقلب يالبيب جيب كلاما زين (28)
لاتشيلهم شملي ماليك بالبعيدين
بس الثلاثي القاموا من حلتنا مارين
ود صلاح وعبد الغني والثاني اسماعين
والجلاليب مكوية والساعات في اللدين
الغرض مو حفله هم لي تقزو ماشين
وشربوا أن كان جنيه وان كان جنيهين
وكتين قضو مشوارن وجو صادين(29)
قالوا اصلا ما يبيتوا بالليل معدين
سرقوا المركب الاسياد نايمين



تقول الشاعرة أن المركب قد أتعبت الثلاثي فاضاعوا كل الأدوات التي
تحركها وجاءوا واستلقوا علي الارض وناموا من التعب كالمساجين
وأضاع العجاج روعة الجلاليب، وتقول لهم أما كان احسن لكم لو جئتم
سابحين، وبعد هذا الفعل المشين الذي أتيتم كيف تقابلوا أهل مساوي.
بايتين في التراب مثل المسَّاجين
والعجاج خرب الجلاليب والصوابين
مالكن مالويتوا وجيتوا عايمين
انتوا تأني تقابلوا ناس مساوي بي وين
تعود تواصل مسدارها فوق أولاد إخوانها (الثلاثي المعني) مشيرة
إلي أنهم صبيان بلا قلوب وبلا حيل، وان فضيحة مركبهم توجعها.
تعود تواصل مسدارها:
فوق أولاد أخواني الفت المسادير
صبيانا لا قلوب ولاعندهن حيل(30)
فضيحة مركبن موجعاني بالحيل(31)
التصد لحجرة صبيانا نفر ديل
تقول عربا نزلتوا من الهواوير



وفي النهاية تؤكد لهم أن الانتقال بالمركب من شاطئ الى آخر مما
اسمته بعلم العين أي أن تفعل كما رأيت الآخرين يفعلون. ولا يحتاج
لتمرين ولا تطويل فلو مررتم الدفة علي الشرق ولو لم تحرفوا
المقطاف في الدير لكنتم خرجتم في السعيداب والكزارير ويمكن
تعودوا إلي جبل الشرق والليل ساتركم. 
العدي علم عين يامداخيل
لوداير لو تمرين واللا تطويل
المقطافه ماتلووها في الدير
والدفي علي الشرق تدوها حدير
ما التمرقكم في السعيدان والكزارير
قوموا بعدين صدوا بي حبل الشرق يستركم الليل (31)



آمل أن اكون قد وفقت في تسليط بعض الأضواء علي حياة وانتاج 
هذه الشاعرة العملاقة، وان يسهم ما قدمته في تشجيع آخرين
لتقديم المزيد من الدراسات عنها اكمالا للتوثيق وتجويدا له (32)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق