الخميس، 9 أكتوبر 2014

معركة الكرامة (كورتى)




معركة كورتى

نوفمبر 1820م 
بمناسبة الذكرى الثالثة والتسعون بعد المائة لموقعة كورتي وددت أن القي الضوء ولو قليلا على تلك الملحمة. واسمحوا لي أن ابدأ بأصل الشايقيه والذي دار حوله كثير من اللغط.
أثبت المؤرخون العرب والسودانيون منهم خاصة أن الشايقيه هم عرب أصليون ينتمون إلى مجموعة القبائل العربية التي هاجرت للسودان بعد تدمير بغداد وسقوط الدولة العباسية عام 757هـ . ويقال أن الأمير إدريس بن قيس هاجر للسودان عن طريق مصر وعاش في السودان 9 سنوات وولد له ابنه إبراهيم جعل الذي تنسب إليه معظم القبائل العربية في السودان وان هذا الأمير مدفون بالقرب من باره (أنظر الفحل الفكي تاريخ وأصول العرب في السودان صفحة 6).
هناك رأي آخر يقول أن 13 طائفة نزلت بالسودان بعد تخريب بغداد وكان ذلك سنة 672 هـ منها 4 هلالية واثنان من بني مخزوم واثنان من كنانة وواحدة خزرجية من بني النجار واثنان من بني أمية واثنان من بني هاشم (الشاطر البصيلي معالم تاريخ السودان وادي النيل ص 84 وثيقة الفقيه محمد أبو دليق)
إذا الشايقيه قبيلة عربية تنسب إلى شايق ود حميدان أخ غانم جد الجعليين ويلتقون مع كثير من قبائل السودان العربية عند الجد الأكبر إبراهيم .سمي محمد ود حميدان بشايق لأنه كان يستخدم هذه الكلمة بمعنى اشتهي (أنا شايق لي عسل) ويقال انه كان رجلا حسن الصورة و أن الناظر إليه لا يشبع من التطلع إليه فأسموه شايق.اختلف مع أخوه غانم ورغب في أن يكون له ملك وأمجاد بعيد من أخيه واستقر به المقام في التكر الضيقة عام 910 هـ أو 1504 م تقريبا وكان له من الأولاد الذكور 11 ومن الإناث 25 .
بدأ شايق يغزو بعد أن قويت شوكته فهاجم الدناقلة شمالا والجعليين والعبدلاب في قري جنوبا. ويقال أن مملكة الشايقية هذه كانت خاضعة لسلطنة سنار إلا أنها استقلت عنها ودخلت في حروب مع وزرائهم العبدلاب وكان ذلك بقيادة الشيخ عثمان ود حمد عام 1680م. بعد ذلك استقام الأمر للشايقيه وقويت شوكتهم وجابت خيولهم بين عكاشة وجبال النوبة ومحمد قول ودارفور ووقفوا على حدود السودان الشمالية يردون الغزاة واستطاعوا أن يردوا المماليك عام 1811م. وعندما جاء جيش محمد على غازيا عام 1820م استصرخوا القبائل المجاورة لتقف معهم ضد الغزو لكن الجيش الغازي رفع راية تحرير السودانيين من سطوة الشايقيه.
انكسرت شوكة الشايقيه وبسط الأتراك حكمهم على السودان وبدأ السلب والنهب وأرهق الناس بالضرائب وضج الناس فاشتعلت الثورة المهدية فكان وقودها بقايا الأتراك وسناجك الشايقيه والقبائل التي ظلت على ولائها لحكومة الأتراك. وبعد فتح الخرطوم 26 يناير 1885م تم ترحيل الشايقيه إلى أم درمان وخصص لهم مكان يسمى بديم الشايقيه بمنطقة الخدير حتى يكونوا تحت سمع ونظر الخليفة وبعد زوال المهدية 1898م بدأ الشايقيه في جمع شملهم واستعادة مكانتهم.
في صيف 1820م تجمعت عند بولاق مئات المراكب وطيلة شهر يوليو وأغسطس كان طابورا من الرجال والدواب والعتاد يسير جنوبا. وفور سماع الخبر قام الشايقيه باتصالات واسعة مع ملوك الجعليين والعبدلاب من اجل التنسيق لإعداد خطة دفاعية مشتركه لكن هؤلاء رفضوا التعاون مع الشايقيه بل بعض ملوك الجعليين استبشروا خيرا بقدوم الأتراك لينصروهم على غريمهم بل أن الأتراك بثوا البشرى في البلد أنهم قادمون لتخليص الناس من الشايقيه لذلك قوبل طلب الشايقيه بالرفض والسخرية.
اجتمع ملوك الشايقيه واستقر رأيهم على الرد بطلب الأتراك أنهم يدفعون الجزية أما السلاح والخيل فلا.. حاصر إسماعيل الشايقيه بفرقتي عمر وعابدين بك فأحاط الشايقيه بمائة فارس وقتلوا منهم 75 وفر الباقون واغتاظ الباشا وأصر على الزحف نحو الشايقيه قبل وصول الجيش انتقاما منهم.
عقد الشايقيه مجلس حرب في حلة أم بقر بالقرب من كورتي وهنا برز دور مهيرة بت عبود . جلس القائد محتار ولم يصل لرأي قاطع فتدخل مهيرة منشدة:
ألليله العقيد شفناه متمسكن ********* وفي قلب التراب شفناه متجكن
الرأي فارقو لا يشفي لا يمكن******** ما تتعجبن ضيم الرجال يمكن 
خلوكن براكن ألليله وحدكن******* بتمشن تحاربن وإلا بتبكن
لم يستجيب لها القائد:
فقالت: يافرسان ادفروا واحموا واطاتنا******* وإلا أدونا السيوف وهاكم رحاطاتنا
هنا قفز ابن عمها وخطيبها وهو احد فرسان القبيلة قائلا:
نحن فرسان الدواس ****** نحن نسبتنا عباس
دقوا يا أولاد النحاس***** شدو خيلكم يلا لى البأس
زادت مهيره في تشجيعها وقالت:
نركب ينقنق جرسنا ****** غرب ود عود جلسنا
مالنا نحن إن فرشنا ***** هيلنا من جاويش حرسنا
كان من عادات الشايقيه أن يربطوا جرسا في هودج الفتاة التي تشجع الرجال على القتال وهذا الجرس موجود حاليا عند آل طبير في العيلفون. وتقصد بالفرش أن الفارس عندما يهزم يفرش فروته وينتظر أعداؤه ليقتلوه وقد فعلها جدهم جاويش عندما هزم في إحدى المارك ضد ملوك الخندق.
ومن تشجيعها:
غنيت بالعديله لى عيال شايق****** البواسو الضعيف ويلحقوا الضايق
ألليله استعدوا وركبوا خيل الكر******* وقدامهم عقيدهم بالأغر دفر
جنايتنا الأسود الليله تتنبر ******** يا الباشا الغشيم قول لى جدادك كر
وفي 4 نوفمبر 1820م انطلقت جموع الشايقيه نحو معسكر الباشا عند قرية كورتي ولكن مع الرصاص وعدم تكافؤ القوة انسحب الشايقيه بعد أن فقدوا 400 قتيل من المشاة و15 فارسا فيهم خطيب مهيرة بت عبود أما الأتراك فقتل منهم 30 رجلا فقط. لكن الشايقيه جمعوا قواهم وسلموا القيادة للملك شاويش فكمن في التكر منتظرين جيوش الباشا. هنا أخذت صفيه بنت الملك صبير دور مهيره في تشجيع الشايقيه وتقدمت الصفوف وحمى الوطيس فقتل من الشايقيه 800 رجل وتم اسر صفية لكنها أعيدت معززة مكرمة عندها أهلن الملك صبير انسحابه وعدم مشاركته في القتال لأنه لا يستطيع أن يقاتل رجلا حفظ له شرفه. لم يبق للملك شاويش سوى 200 من المقاتلين فانسحب معهم للحلفايا محاولة منه لدفه العبدلاب للتصدي للأتراك وبعد ما يئس من استثارتهم هجم على الحلفايا وخربها واتجه نحو شندي لمقابلة الملك نمر . وتتابعت الاستسلامات ففي 5 مارس 1821م سلم الملك نصر الدين ملك الميرفاب وفي 22 مارس سلم المك نمر ملك الجعليين وفي 9 مايو سلم الملك مساعد ملك الجعليين. وعند سماع شاويش أن المك نمر سلم أرسل له رسالة يهدده فاستدعى المك نمر 20 ألف من رجاله وجعلهم على الضفة الشرقية للنيل للدفاع عن شندي ضد الملك شاويش.
في 15 مايو 1821م سلم الملك شاويش بعد مفاوضات وتوسط بعض شيوخ العرب وفرح الباشا بذلك واخبر والده الذي أوصى باستقطاب الشايقيه لجانبه ليعاونوه على إقامة ملكه في السودان وان يترك لهم خيلهم وسلاحهم. قبل الملك شاويش بشرط الباشا وانخرط في جيشه وكان معه 200 من الفرسان الشايقيه والشيخ عبود والد مهيره والشيخ الازيرق الذين خصصت لهم مرتبات وصاروا ضمن قوات الباشا.
كانت تلك المعركة نقطة تحول إذ تحولوا من ملوك إلى جنود خاضعين لأمر الباشا وتركوا موطنهم وتنقلوا حسب مقتضيات الوظيفة وانتشروا في كل أنحاء السودان وصار في كل مدينة وقرية حي يعرف بحي أو فريق الشايقيه.
توفيت مهيره ودفنت باؤسلي ولها أخت تدعى وجب كانت لها خلوه تعلم القرآن بمساوي أما أخوانها الآخرون هم محمد خير وسليمان والعطا واستقر بهم المقام في قندتو وكبوشيه ومويس وحوش بانقا. وللتاريخ فإن للشيخ عبود حفيد هو أحمد البشير أحمد عبود والد الفريق إبراهيم عبود.

القتال عند الشايقية   يصف وادجنتون القتال عند الشايقية فيقول :
ان لديهم في الهجوم جرأة نادرة لا نظير لها، يركبون إلى الأعداء ويواجهونهم مواجهة قريبة وقلوبهم تهفو إلى اللقاء في خفة وابتهاج كأنهم ذاهبون إلى إحتفال أو عيد ويعلو وجوههم السرور كأنهم يلقون أصدقاء اشتد بهم الشوق إلى رؤيتهم بعد طول غياب فإذا واجهوا بدأوه بقولهم (السلام عليكم) سلام المنية التي توافي تلك الرماح والتي تعقب هذه التحية مباشرة وتتوالى الطعنات يعطونها ويأخذونها وعلى ألسنتهم تترد ألفاظ الحب والمودة. هذا الازدراء للحياة وهذه السخرية بأشد الأشياء إخافة وإرهاباً هو صفة ملازمة لهؤلاء القوم. إنهم الشعب الوحيد الذي يتخذ من الأسلحة لعباً يتلهى بها ومن الحرب رياضة محببة إلى النفس. لا يطلبون من أدائهم شيئاً سوى التسلية ولا يخافون من الموت سوى أنه راحة لأبدانهم.
ثم تغير حالهم فاجبروا على أن يتخلوا عن خيولهم للغرباء وأن يستبدلوا رماحهم بزحافات تسوية الأرض المزروعة ومقابض لتشذيب الشجر وأرغموا على أن يسوقوا الثور حول الساقية بعد أن كانوا يطاردون الأعداء عبر الصحراء.
هذا وصف وادجنتون في كتاب نكليز (الشايقية) يوثق للشايقية ويصف معركة كورتي ثم يتحسر على مصير هذه القبيلة المتفردة التي لا تشبهها أي قبيلة من القبائل الأخرى.
وفي موضع آخر يقول وادجنتون (إنهم يخوضون المعارك مبتهجون والإشارة بالهجوم تبدأ عندهم من عذراء تلبس كامل حليها وتركب على ظهر بعير فتردد الزغاريد مراراً وهي موضع احترام وترحيب لكل الطرفين المتحاربين).
أما عن مهارتهم في استخدام الترس (الدرقة) فقد روى انجلش :
(كان هؤلاء الأعداء من الحذق والمهارة في استخدام الترس بحيث أنهم كانوا يتفادون كل ضربة توجه إليهم)[

ان لديهم في الهجوم جرأة نادرة لا نظير لها، يركبون إلى الأعداء ويواجهونهم مواجهة قريبة وقلوبهم تهفو إلى اللقاء في خفة وابتهاج كأنهم ذاهبون إلى إحتفال أو عيد ويعلو وجوههم السرور كأنهم يلقون أصدقاء اشتد بهم الشوق إلى رؤيتهم بعد طول غياب فإذا واجهوا بدأوه بقولهم (السلام عليكم) سلام المنية التي توافي تلك الرماح والتي تعقب هذه التحية مباشرة وتتوالى الطعنات يعطونها ويأخذونها وعلى ألسنتهم تترد ألفاظ الحب والمودة. هذا الازدراء للحياة وهذه السخرية بأشد الأشياء إخافة وإرهاباً هو صفة ملازمة لهؤلاء القوم. إنهم الشعب الوحيد الذي يتخذ من الأسلحة لعباً يتلهى بها ومن الحرب رياضة محببة إلى النفس. لا يطلبون من أدائهم شيئاً سوى التسلية ولا يخافون من الموت سوى أنه راحة لأبدانهم.
ثم تغير حالهم فاجبروا على أن يتخلوا عن خيولهم للغرباء وأن يستبدلوا رماحهم بزحافات تسوية الأرض المزروعة ومقابض لتشذيب الشجر وأرغموا على أن يسوقوا الثور حول الساقية بعد أن كانوا يطاردون الأعداء عبر الصحراء.
هذا وصف وادجنتون في كتاب نكليز (الشايقية) يوثق للشايقية ويصف معركة كورتي ثم يتحسر على مصير هذه القبيلة المتفردة التي لا تشبهها أي قبيلة من القبائل الأخرى.
وفي موضع آخر يقول وادجنتون (إنهم يخوضون المعارك مبتهجون والإشارة بالهجوم تبدأ عندهم من عذراء تلبس كامل حليها وتركب على ظهر بعير فتردد الزغاريد مراراً وهي موضع احترام وترحيب لكل الطرفين المتحاربين).
أما عن مهارتهم في استخدام الترس (الدرقة) فقد روى انجلش :
(كان هؤلاء الأعداء من الحذق والمهارة في استخدام الترس بحيث أنهم كانوا يتفادون كل ضربة توجه إليهم)[

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق